سورة طه - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{وَأَنَا اخترتك} اصطفيتك للنبوة، {وإنا اخترناك} حمزة {فاستمع لِمَا يُوحَى} إليك للذي يوحى أو للوحي، واللام يتعلق ب {استمع} أو ب {اخترتك} {إِنَّنِى أَنَا الله لا إله إِلا أَنَاْ فاعبدنى} وحدني وأطعني {وأقم الصلاة لذكري} لتذكرني فيها لاشتمال الصلاة على الأذكار أو لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها، أو لأن أذكرك بالمدح والثناء، أو لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري، أو لتكون لي ذاكراً غير ناس، أو لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة لقوله: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} [النساء: 103] وقد حمل على ذكر الصلاة بعد نسيانها وذا يصح بتقدير حذف المضاف أي لذكر صلاتي، وهذا دليل على أنه لا فريضة بعد التوحيد أعظم منها.
{إِنَّ الساعة ءاتِيَةٌ} لا محالة {أَكَادُ} أريد عن الأخفش وقيل صلة {أُخْفِيهَا} قيل: هو من الأضداد أي أظهرها أو أسترها عن العباد فلا أقول هي آتية لإرادتي إخفاءها، ولولا ما في الأخبار بإتيانها مع تعمية وقتها من الحكمة وهو أنهم إذا لم يعلموا متى تقوم كانوا على وجل منها في كل وقت لما أخبرت به {لتجزى} متعلق ب {ءاتِيَةٌ} {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى} بسعيها من خير أو شر {فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا} فلا يصرفنك عن العمل للساعة أو عن إقامة الصلاة أو عن الإيمان بالقيامة فالخطاب لموسى والمراد به أمته {مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا} لا يصدق بها {واتبع هَوَاهُ} في مخالفة أمره {فتردى} فتهلك {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى} (ما) مبتدأ و{تِلْكَ} خبره وهي بمعنى هذه و{بِيَمِينِكَ} حال عمل فيها معنى الإشارة أي قارة أو مأخوذة بيمينك. أو {تِلْكَ} موصول صلته {بِيَمِينِكَ} والسؤال للتنبيه لتقع المعجزة بها بعد التثبت، أو للتوطين لئلا يهوله انقلابها حية، أو للإيناس ورفع الهيبة للمكالمة.


{قَالَ هِىَ عَصَاىَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا} أعتمد عليها إذا أعييت أو وقفت على رأس القطيع وعند الطفرة {وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِى} أخبط ورق الشجر على غنمي لتأكل {وَلِيَ فِيهَا مَأَرِبُ} {وَلِيُّ} حفص جمع مأربة بالحركات الثلاث وهي الحاجة {أخرى} والقياس أخر. وإنما قال: {أخرى} رداً إلى الجماعة أو لنسق الآي وكذا {الكبرى} ولما ذكر بعضها شكراً أجمل الباقي حياء من التطويل، أو ليسأل عنها الملك العلام فيزيد في الإكرام. والمآرب الأخر أنها كانت تماشيه وتحدثه وتحارب العدو والسباع وتصير رشاء فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلواً وتكونان شمعتين بالليل وتحمل زاده ويركزها فتثمر ثمرة يشتهيها ويركزها فينبع الماء فإذا رفعها نضب، وكانت تقيه الهوام. والزيادة على الجواب لتعداد النعم شكراً، أو لأنها جواب سؤال آخر لأنه لما قال: {هِىَ عَصَايَ} قيل له: ما تصنع بها فأخذ يعدد منافعها.
{قَالَ أَلْقِهَا ياموسى} اطرح عصاك لتفزع مما تتكئ عليه فلا تسكن إلا بنا وترى فيها كنه ما فيها من المآرب فتعتمد علينا في المطالب {فألقاها} فطرحها {فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تسعى} تمشي سريعاً قيل انقلبت ثعباناً يبتلع الصخر والشجر، فلما رآها تبتلع كل شيء خاف. وإنما وصفت بالحية هنا وبالثعبان وهو العظيم من الحيات وبالجان وهو الدقيق في غيرها لأن الحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والكبير، وجاز أن تنقلب حية صفراء دقيقة ثم يتزايد جرمها حتى تصير ثعباناً فأريد بالجان أول حالها وبالثعبان مآلها، أو لأنها كانت في عظم الثعبان وسرعة الجان. وقيل: كان بين لحييها أربعون ذراعاً. ولما {قَالَ} له ربه {خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ} بلغ من ذهاب خوفه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها {سَنُعِيدُهَا} سنردها {سِيَرتَهَا الأولى} تأنيث الأول، والسيرة: الحالة التي يكون عليها الإنسان غريزية كانت أو مكتسبة وهي في الأصل فعلة من السير كالركبة من الركوب ثم استعملت بمعنى الحالة والطريقة. وانتصبت على الظرف أي سنعيدها في طريقتها الأولى أي في حال ما كانت عصا. والمعنى نردها عصاً كما كانت، وأرى ذلك موسى عند المخاطبة لئلا يفزع منها إذا انقلبت حية عند فرعون، ثم نبه على آية أخرى فقال.
{واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ} إلى جنبك تحت العضد وجناحا الإنسان جنباه والأصل المستعار منه جناحا الطائر سميا جناحين لأنه يجنحهما أي يميلهما عند الطيران والمعنى أدخلها تحت عضدك {تَخْرُجْ بَيْضَاء} لها شعاع كشعاع الشمس يغشى البصر {مِنْ غَيْرِ سُوء} برص {آيةً أُخرى} لنبوتك بيضاء وآية حالان معاً ومن غير سوء صلة بيضاء كقولك (ابيضت من غير سوء) وجاز أن ينتصب {ءايَةً} بفعل محذوف يتعلق به الأَمر.
{لِنُرِيَكَ مِنْ ءاياتنا الكبرى} أي خذ هذه الآية أيضاً بعد قلب العصا حية لنريك بهاتين الآيتين بعض آياتنا الكبرى العظمى، أو نريك بهما الكبرى من آياتنا أو المعنى فعلنا ذلك لنريك من آياتنا الكبرى.
{اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} جاوز حد العبودية إلى دعوى الربوبية، ولما أمره بالذهاب إلى فرعون الطاغي وعرف أنه كلف أمراً عظيماً يحتاج إلى صدر فسيح.


{قَالَ رَبّ اشرح لِي صَدْرِى} وسعه ليحتمل الوحي والمشاق ورديء الأخلاق من فرعون وجنده {وَيَسّرْ لِى أَمْرِى} وسهل علي ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون. واشرح لي صدري آكد من اشرح صدري لأنه تكرير للمعنى الواحد من طريقي الإجمال والتفصيل لأنه يقول اشرح لي ويسر لي علم أن ثمة مشروحاً وميسراً ثم رفع الإبهام بذكر الصدر والأمر {واحلل} افتح {عُقْدَةً مّن لّسَانِي} وكان في لسانه رتة للجمرة التي وضعها على لسانه في صباه، وذلك أن موسى أخذ لحية فرعون ولطمه لطمة شديدة في صغره فأراد قتله فقالت آسية: أيها الملك إنه صغير لا يعقل فجعلت في طشت ناراً وفي طشت يواقيت ووضعتهما لدى موسى فقصد اليواقيت فأمال الملك يده إلى النار فرفع جمرة فوضعها على لسانه فاحترق لسانه فصار لكنة منها. وروي أن يده احترقت واجتهد فرعون في علاجها فلم تبرأ ولما دعاه قال: إلى أي رب تدعوني؟ قال: إلى الذي أبرأ يدي وقد عجزت عنها. و{مّن لّسَانِي} صفة لعقدة كأنه قيل: عقدة من عقد لساني، وهذا يشعر بأنه لم تزل العقدة بكمالها وأكثرهم على ذهاب جميعها {يَفْقَهُواْ قَوْلِي} عند تبليغ الرسالة.
{واجعل لّي وَزِيراً} ظهيراً اعتمد عليه من الوزر الثقل لأنه يتحمل عن الملك أوزاره ومؤنته، أو من الوزر الملجأ لأن الملك يعتصم برأيه ويلتجئ إليه في أموره، أو معيناً من الموازرة وهي المعاونة ف {وَزِيراً} مفعول أول ل {اجَعَلَ} والثاني {مّنْ أَهْلِي} أو {لِي} أَوْ {وَزِيراً} مفعولاه وقوله {هارون} عطف بيان ل {وَزِيراً} وقوله {أَخِي} بدل أو عطف بيان آخر و{وَزِيراً} و{هارون} مفعولاه وقدم ثانيهما على أولهما عناية بأمر الوزارة {اشدد بِهِ أَزْرِى} قو به ظهري وقيل الأزر القوة {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} اجعله شريكي في النبوة والرسالة. {اشدد} و{أشركه} على حكاية النفس شامي على الجواب، والباقون على الدعاء والسؤال {كَيْ نُسَبّحَكَ} نصلي لك وننزهك تسبيحاً {كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً} في الصلوات وخارجها {إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً} عالماً بأحوالنا فأجابه الله تعالى حيث {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى} أعطيت مسؤولك فالسؤل الطلبة فعل بمعنى مفعول كخبز بمعنى مخبوز. {سولك} بلا همز: أبو عمرو.
{وَلَقَدْ مَنَنَّا} أنعمنا {عَلَيْكَ مَرَّةً} كرة {أخرى} قبل هذه ثم فسرها فقال: {إِذْ أَوْحَيْنَا إلى أُمّكَ مَا يوحى} إلهاماً أو مناماً حين ولدت وكان فرعون يقتل أمثالك. و{إِذْ} ظرف ل {مَنَنَّا} ثم فسر ما يوحى بقوله {أَنِ اقذفيه} ألقيه {فِى التابوت} و{أن} مفسرة لأن الوحي بمعنى القول: {فاقذفيه فِى اليم} النيل {فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل} الجانب وسمي ساحلاً لأن الماء يسحله أي يقشره، والصيغة أمر ليناسب ما تقدم ومعناه الإخبار أي يلقيه اليم بالساحل {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لّي وَعَدُوٌّ لَّهُ} يعني فرعون والضمائر كلها راجعة إلى موسى عليه السلام، ورجوع بعضها إليه وبعضها إلى التابوت يفضي إلى تناثر النظم والمقذوف في البحر والملقى إلى الساحل وإن كان هو التابوت لكن موسى في جوف التابوت.
رُوي أنها جعلت في التابوت قطناً محلوجاً فوضعته فيه وقيرته ثم ألقته في اليم، وكان يشرع منه إلى بستان فرعون نهر كبير فبينما هو جالس على رأس بركة مع آسية إذا بالتابوت فأمر به فأخرج ففتح فإذا بصبي أصبح الناس وجهاً فأحبه فرعون حباً شديداً فذلك قوله {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مّنّى} يتعلق {مِنّي} ب {ألقيت} يعني إني أحببتك ومن أحبه الله أحبته القلوب فما رآه أحد إلا أحبه. قال قتادة: كان في عيني موسى ملاحة ما رآه أحد إلا أحبه {وَلِتُصْنَعَ} معطوف على محذوف تقديره وألقيت عليك محبة لتحب ولتصنع {على عَيْنِى} أي لتربى بمرأى مني وأصله من صنع الفرس أي أحسن القيام عليه يعني أنا مراعيك ومراقبك كما يراعي الرجل الشيء بعينه إذا اعتنى به {وَلِتُصْنَعَ} بسكون اللام والجزم: يزيد على أنه أمر منه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7